سورة لقمان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} تقدم في الحج وآل عمران. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللهما بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وإتماما للمنافع. {كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} قال الحسن: إلى يوم القيامة. قتادة:
إلى وقته في طلوعه وأفوله لا يعدوه ولا يقصر عنه. {وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي من قدر على هذه الأشياء فلا بد من أن يكون عالما بها، والعالم بها عالم بأعمالكم. وقراءة العامة {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ السلمي ونصر بن عاصم والدوري عن أبي عمرو بالياء على الخبر. {ذلِكَ} أي فعل الله تعالى ذلك لتعلموا وتقروا {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ} أي الشيطان، قاله مجاهد.
وقيل: ما أشركوا به الله تعالى من الأصنام والأوثان. {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} العلي في مكانته، الكبير في سلطانه.


{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ} أي السفن {تَجْرِي} في موضع الخبر. {فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} أي بلطفه بكم وبرحمته لكم في خلاصكم منه. وقرأ ابن هرمز: {بنعمات الله} جمع نعمة وهو جمع السلامة، وكان الأصل تحريك العين فأسكنت. {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ} {مِنْ} للتبعيض، أي ليريكم جري السفن، قاله يحيى بن سلام.
وقال ابن شجرة: {مِنْ آياتِهِ} ما تشاهدون من قدرة الله تعالى فيه. النقاش: ما يرزقهم الله منه.
وقال الحسن: مفتاح البحار السفن، ومفتاح الأرض الطرق، ومفتاح السماء الدعاء. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} أي صبار لقضائه شكور على نعمائه.
وقال أهل المعاني: أراد لكل مؤمن بهذه الصفة، لان الصبر والشكر من أفضل خصال الايمان. والآية: العلامة، والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء. قال الشعبي: الصبر نصف الايمان، والشكر نصف الايمان، واليقين الايمان كله، ألم تر إلى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} وقوله: {وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] وقال عليه السلام: «الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر».


{وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}
قوله تعالى: {وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} قال مقاتل: كالجبال.
وقال الكلبي: كالسحاب، وقاله قتادة- جمع ظلة، شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها. قال النابغة في وصف بحر:
يماشيهن أخضر ذو ظلال *** على حافاته فلق الدنان
وإنما شبه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع، لان الموج يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا كالظلل.
وقيل: هو بمعنى الجمع، وإنما لم يجمع لأنه مصدر. وأصله من الحركة والازدحام، ومنه: ماج البحر، والناس يموجون. قال كعب:
فجئنا إلى موج من البحر وسطه *** أحابيش منهم حاسر ومقنع
وقرا محمد بن الحنفية: {موج كالظلال} جمع ظل. {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه، وقد تقدم. {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} يعني من البحر. {إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} قال ابن عباس: موف بما عاهد عليه الله في البحر. النقاش: يعني عدل في العهد، وفى في البر بما عاهد عليه الله في البحر.
وقال الحسن: {مُقْتَصِدٌ} مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة.
وقال مجاهد: {مُقْتَصِدٌ} في القول مضمر للكفر.
وقيل: في الكلام حذف، والمعنى: فمنهم مقتصد ومنهم كافر. ودل على المحذوف قوله تعالى: {وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الختار: الغدار. والختر: أسوأ الغدر. قال عمرو بن معد يكرب:
فإنك لو رأيت أبا عمير *** ملأت يديك من غدر وختر
وقال الأعشى:
بالابلق الفرد من تيماء منزله *** حصن حصين وجار غير ختار
قال الجوهري: الختر الغدر، يقال: ختره فهو ختار. الماوردي: وهو قول الجمهور.
وقال عطية: إنه الجاحد. ويقال: ختر يختر ويختر بالضم والكسر خترا، ذكره القشيري. وجحد الآيات إنكار أعيانها. والجحد بالآيات إنكار دلائلها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8